كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والْوَلِيُّ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْقُرْبُ كَمَا أَنَّ الْعَدُوَّ مِنْ الْعَدْوِ وَهُوَ الْبُعْدُ. فَوَلِيُّ اللَّهِ مَنْ وَالَاهُ بِالْمُوَافَقَةِ لَهُ فِي مَحْبُوبَاتِهِ وَمَرْضِيَّاتِهِ وَتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَاتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصِّنْفَيْنِ الْمُقْتَصِدَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَهُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ وَهُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْوَاجِبَاتِ. وَذكر الله الصِّنْفَيْنِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ والْوَاقِعَةِ والْإِنْسَانِ والْمُطَفِّفِينَ وَأَخْبَرَ أَنَّ الشَّرَابَ الَّذِي يُرْوَى بِهِ الْمُقَرَّبُونَ بِشُرْبِهِمْ إيَّاهُ صِرْفًا يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. والْوَلِيُّ الْمُطْلَقُ هُوَ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ قَامَ بِهِ الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى وَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِي حَالِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ يُقَالُ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ قَطُّ لِعِلْمِ اللَّهِ بِعَاقِبَتِهِ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ الْإِيمَانُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْكُفْرُ هَلْ هُوَ إيمَانٌ صَحِيحٌ ثُمَّ يَبْطُلُ بِمَنْزِلَةِ مَا يُحْبَطُ مِنْ الْأَعْمَالِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ هُوَ إيمَانٌ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْطَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي صِيَامِهِ وَمَنْ أَحْدَثَ قَبْلَ السَّلَامِ فِي صِلَاتِهِ. فِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ: لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين وَالصُّوفِيَّةِ.
وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ يُوجَدُ النِّزَاعُ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُونَ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد يَشْتَرِطُ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْحَدِيثِ: كَالْأَشْعَرِيِّ وَمِنْ مُتَكَلِّمِي الشِّيعَةِ وَيَبْنُونَ عَلَى هَذَا النِّزَاعِ: إنَّ وَلِيَّ اللَّهِ هَلْ يَصِيرُ عَدُوًّا لِلَّهِ وَبِالْعَكْسِ؟ وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. هَلْ أَبْغَضَهُ وَسَخِطَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مَا وَبِالْعَكْسِ؟ وَمَنْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَسَخِطَ عَلَيْهِ هَلْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ فِي وَقْتٍ مَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ؟. والتَّحْقِيقُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَبُغْضِهِ وَسُخْطِهِ وَوِلَايَتِهِ وَعَدَاوَتِهِ لَا يَتَغَيَّرُ. فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ يُوَافِي حِينَ مَوْتِهِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَوِلَايَتُهُ وَرِضَاهُ عَنْهُ أَزَلًا وَأَبَدًا وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ يُوَافِي حِينَ مَوْتِهِ بِالْكُفْرِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بُغْضُ اللَّهِ وَعَدَاوَتُهُ وَسُخْطُهُ أَزَلًا وَأَبَدًا لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ مَا قَامَ بِالْأَوَّلِ مِنْ كُفْرٍ وَفُسُوقٍ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُ بِمَا فَعَلَهُ الثَّانِي مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَيُحِبُّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَرْضَاهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُوَالِيه حِينَئِذٍ عَلَى ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: اتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَنَّ إيمَانَهُ الْأَوَّلَ كَانَ فَاسِدًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ قَبْلَ الْإِكْمَالِ؛ وَإِنَّمَا يُقَالُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} وَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وَقَالَ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِ وَبُطْلَانِ إرْثِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَبُطْلَانِ عِبَادَاتِهِ جَمِيعِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ كَانَ حَجُّهُ بَاطِلًا وَلَوْ صَلَّى مُدَّةً بِقَوْمِ ثُمَّ ارْتَدَّ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا صَلَاتَهُمْ خَلْفَهُ وَلَوْ شَهِدَ أَوْ حَكَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَوَجَبَ أَنْ تَفْسُدَ شَهَادَتُهُ وَحُكْمُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْكَافِرُ إذَا تَابَ مِنْ كُفْرِهِ لَوْ كَانَ مَحْبُوبًا لِلَّهِ وَلِيًّا لَهُ فِي حَالِ كَفْرِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِعَدَمِ إحْكَامِ ذَلِكَ الْكُفْرِ وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرُ الْكَلَامِ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَهِيَ أَيْضًا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ كَبِيرَةٌ. وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ جَوَابُ السَّائِلِ فَمَنْ قَالَ: إنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا مَنْ وَافَاهُ حِينَ الْمَوْتِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَالْعِلْمُ بِذَلِكَ أَصْعَبُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَمَنْ قَالَ: قَدْ يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَاقِبَتُهُ فَالْعِلْمُ بِهِ أَسْهَلُ.
وَمَعَ هَذَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِلْوَلِيِّ نَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْقَطْعُ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ بِالنَّصِّ. وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَالْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْهَدُونَ لَهُ بِمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ النَّصُّ.
وَأَمَّا مَنْ شَاعَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ بِحَيْثُ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَهَلْ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ. هَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ. وَأَمَّا خَوَاصُّ النَّاسِ فَقَدْ يَعْلَمُونَ عَوَاقِبَ أَقْوَامٍ بِمَا كَشَفَ اللَّهُ لَهُمْ لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّنْ يَجِبُ التَّصْدِيقُ الْعَامُّ بِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْكَشْفُ يَكُونُ ظَانًّا فِي ذَلِكَ ظَنًّا لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَأَهْلُ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ يُصِيبُونَ تَارَةً؛ وَيُخْطِئُونَ أُخْرَى؛ كَأَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ جَمِيعُهُمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَزِنُوا مَوَاجِيدَهُمْ وَمُشَاهَدَتَهُمْ وَآرَاءَهُمْ وَمَعْقُولَاتِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؛ وَلَا يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ سَيِّدَ الْمُحَدَّثِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ الْمُلْهَمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ وَقَدْ كَانَتْ تَقَعُ لَهُ وَقَائِعُ فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدِيقُهُ التَّابِعُ لَهُ الْآخِذُ عَنْهُ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مِنْ الْمُحَدَّثِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ. وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَتُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيه مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى عَرْضِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَكَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ دِينِهِ. وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَارِقِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مَعَ الرَّسُولِ كَالْخَضِرِ مَعَ مُوسَى وَمَنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لِلرَّسُولِ وَلِلنَّبِيِّ أَنْ يَنْسَخَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ لِلْمُحَدَّثِ؛ وَلِهَذَا كَانَ فِي الْحَرْفِ الْآخَرِ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْحَرْفُ مَتْلُوًّا حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ نَسْخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ الْمُحَدَّثِ؛ فَإِنَّ نَسْخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ لَيْسَ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إذْ هُمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ إلْقَاءِ الشَّيْطَانِ وَغَيْرِهِمْ لَا تَجِبُ عِصْمَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ أَلَّا يَكُونُوا مُخْطِئِينَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ خَطَأً مَغْفُورًا لَهُمْ؛ بَلْ وَلَا مِنْ شَرْطَهُمْ تَرْكُ الصَّغَائِرِ مُطْلَقًا بَلْ وَلَا مِنْ شَرْطِهِمْ تَرْكُ الْكَبَائِرِ أَوْ الْكَفْرُ الَّذِي تَعْقُبُهُ التَّوْبَةُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} فَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُتَّقُونَ. و{الْمُتَّقُونَ} هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا. وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَان. وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْغَالِيَةُ مِنْ الرَّافِضَةِ وَأَشْبَاهُ الرَّافِضَةِ مِنْ الْغَالِيَةِ فِي بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَمَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. فَالرَّافِضَةُ تَزْعُمُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ مَعْصُومُونَ مِنْ الْخَطَأِ وَالذَّنْبِ. وَيَرَوْنَ هَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَالْغَالِيَةُ فِي الْمَشَايِخِ قَدْ يَقُولُونَ: إنَّ الْوَلِيَّ مَحْفُوظٌ وَالنَّبِيَّ مَعْصُومٌ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ؛ فَحَالُهُ حَالُ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّيْخَ وَالْوَلِيَّ لَا يُخْطِئُ وَلَا يُذْنِبُ. وَقَدْ بَلَغَ الْغُلُوُّ بِالطَّائِفَتَيْنِ إلَى أَنْ يَجْعَلُوا بَعْضَ مَنْ غَلَوْا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ النَّبِيِّ وَأَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ زَادَ الْأَمْرُ جَعَلُوا لَهُ نَوْعًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ وَكُلُّ هَذَا مِنْ الضَّلَالَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُضَاهِيَةِ لِلضَّلَالَاتِ النَّصْرَانِيَّةِ. فَإِنَّ فِي النَّصَارَى مِنْ الْغُلُوِّ فِي الْمَسِيحِ وَالْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ مَا ذَمَّهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ؛ وَجَعَلَ ذَلِكَ عِبْرَةً لَنَا؛ لِئَلَّا نَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ. فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ». اهـ.
وقال أيضا عليه الرحمة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا. أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَفَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ. وَالسُّعَدَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْأَشْقِيَاءِ أَهْلِ النَّارِ وَبَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ. وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ مِنْ النَّاسِ وَلِلشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَ فَفَرَّقَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ فَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}. وَذَكَرَ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}. وقال تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الْآيَاتِ إلَى قَوْلِهِ: {إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
فَصْلٌ:
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّاسَ فِيهِمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُمَا فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ- أَوْ فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ- وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلابد لَهُ مِنْهُ» وَهَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي الْأَوْلِيَاءِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ عَادَى وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَإِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَرُ اللَّيْثُ الْحَرِبُ» أَيْ آخُذُ ثَأْرَهُمْ مِمَّنْ عَادَاهُمْ كَمَا يَأْخُذُ اللَّيْثُ الْحَرِبُ ثَأْرَهُ وَهَذَا لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَوَالَوْهُ فَأَحَبُّوا مَا يُحِبُّ وَأَبْغَضُوا مَا يُبْغِضُ وَرَضُوا بِمَا يَرْضَى وَسَخِطُوا بِمَا يَسْخَطُ وَأَمَرُوا بِمَا يَأْمُرُ وَنَهَوْا عَمَّا نَهَى وَأَعْطَوْا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُعْطَى وَمَنَعُوا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُمْنَعَ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ: «وَمَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ». والْوِلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْمَحَبَّةُ وَالْقُرْبُ وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ وَالْبُعْدُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْوَلِيَّ سُمِّيَ وَلِيًّا مِنْ مُوَالَاتِهِ لِلطَّاعَاتِ أَيْ مُتَابَعَتِهِ لَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ فَيُقَالُ: هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» أَيْ لِأَقْرَبِ رَجُلٍ إلَى الْمَيِّتِ. وَأَكَّدَهُ بِلَفْظِ الذَّكَرِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَلَا يَشْتَرِكُ فِيهَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ: «فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ». فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ هُوَ الْمُوَافِقُ الْمُتَابِعُ لَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُهُ وَيُسْخِطُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ كَانَ الْمُعَادِي لِوَلِيِّهِ مُعَادِيًا لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فَمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدْ عَادَاهُ وَمَنْ عَادَاهُ فَقَدْ حَارَبَهُ فَلِهَذَا قَالَ: «وَمَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ». وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ هُمْ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَفْضَلُ أَنْبِيَائِهِ هُمْ الْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ وَأَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ أُولُو الْعَزْمِ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}. وَأَفْضَلُ أُولِي الْعَزْمِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَإِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا وَخَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ وَصَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ وَشَفِيعُ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ الَّذِي بَعَثَهُ بِأَفْضَلِ كُتُبِهِ وَشَرَعَ لَهُ أَفْضَلَ شَرَائِعِ دِينِهِ وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَجَمَعَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ وَهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ خَلْقًا وَأَوَّلُ الْأُمَمِ بَعْثًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «نَحْنُ الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ؛ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ- يَعْنِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ- فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ: النَّاسُ لَنَا تَبَعٌ فِيهِ غَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَد لِلنَّصَارَى». وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ. فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدِ قَبْلَك».